ويليام أدولف بوغيرو
معلومات شخصية
التزم بوغيرو الإتقان الكامل في بِنى لوحاته وتقنياتها والجودةَ العالية إلى جانب إظهاره تأثرًا شديدًا بالواقعية، وانتقى أسلوبه من الأساليب السائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فصار مزيجًا بين الكلاسيكية الحديثة والرومانسية في نهج طبعاني مع لمسة من المثالية. تتناول معظم أعماله المواضيع الأسطورية والتمثيلية والتاريخية والدينية، متجسدةً في البورتريهات وصور العراة وصغار المزارعين. نال بوغيرو خلال حياته شهرةً عالميةً وثروةً كبيرةً، وحصد العديد من الجوائز والأوسمة، أهمها جائزة روما ووسام جوقة الشرف، ولكن شرارته أخذت تخفت في أواخر مسيرته مع صعود الحداثة، حتى انطفأت تمامًا بعد وفاته في مطلع القرن العشرين؛ حيث اتُّهمت أعماله بالفراغ والاصطناع وبأنها تعد نموذجًا للفن الذي لا ينبغي أن يكون وهو ما قاد إلى إهمالها ونسيانها، ولكن هذه الأعمال جعلت تسترد اعتبارها في سبعينيات القرن العشرين، وهو يعد اليوم أحد كبار فناني القرن التاسع عشر. ومع ذلك لا تزال المقاومة كبيرة لأعماله، ولم يزل الجدل عليه مستمرًّا. حياتهجذورهظهر لقب "Bouguereau" في أوج العصور الوسطى، وقد افترض بعض المختصين في علم الأنساب أنه لقب مشتق من الكلمة الفرنسية "Bogue" وتعني "قشر الكستناء" نظرًا لتشابه نطقهما، ورغم ذلك يبقى الأمر مبنيًّا على التخمين. لم تصل بحوث علماء الأنساب إلى جذور عائلة ويليام بوغيرو التي عاشت قبل بدايات القرن السادس عشر، وتحديدًا قبل السيد ماسي بوغيرو الذي عاش في لا روشيل، وتزوج من السيدة باستين بريو قرابة عام 1530، والذي ينحدر منهما ويليام بوغيرو.لا روشيل هي مدينة بحرية قديمة ذات أهمية متوسطة، وقد كانت عاصمة إقليم أونيس التاريخي، وهي تابعة الآن لإقليم شارنت البحرية المعروف سابقًا بشارنت السفلى. اشتهرت لا روشيل تاريخيًّا كونَها مجتمعًا للكالفينيين الفرنسيين، حتى دعاها الفرنسيون "جنيف الفرنسية". لم تمنع التقاليد هناك من تزاوج الكاثوليك والكالفينيين، وقد كان الأبناء الذكور يرثون دين آبائهم، أما الإناث فاعتنقن دين أمهاتهن. كوّن أحفاد ماسي لاحقًا روابط أسرية وثيقة مع الكالفينيين الذين أخذوا في التزايد، كما تقلّد معظم من بقي من آل بوغيرو في شارنت بعد إلغاء مرسوم نانت مناصب رسمية في المدينة، فمثلًا شغل كثير منهم مناصب في مضارب العملات بعد إلغاء المرسوم وحتى قيام الثورة الفرنسية، وقد كان آخرهم جان إيلي بوغيرو رئيس دار السك في لا روشيل، وهو والد صامويل إيلي بوغيرو. عمل صامويل إيلي مدرسًا للإنجليزية، وأنجب ثمانية أطفال منهم ثيودور بوغيرو والد ويليام بوغيرو.[5] ولادته ونشأتهولد ويليام أدولف بوغيرو في لا روشيل عام 1825، ليكون ثاني أبناء تاجر النبيذ تيودور بوغيرو وزوجته الكالفينية ماري مارغريت بونين، وعُمد في سن الخامسة على المذهب الكاثوليكي.[6] في عام 1832 انتقلت الأسرة إلى سان مارتين، إحدى أكبر بلديات جزيرة ري، إذ قرر تيودور بدء أعمال تجارية في مينائها. التحق ويليام بالمدرسة، وكان يقضى معظم وقته في الرسم. ضاق الحال بأسرة تيودور الذي مر بسلسلة من الصعوبات المالية، مما اضطر الأسرة إلى إرسال ويليام للعيش مع عمه يوجين بوغيرو (كاهن برعية مورتان سور جيروند). تعلم ويليام الكلاسيكيات على يد عمه الذي عُرف بثقافته، والذي راح يلقنه الأدب الفرنسي والكتاب المقدس، كما أعطاه دروسًا في اللاتينية وعلمه الصيد وركوب الخيل وأوقظ حبه للطبيعة.[5]أرسل يوجين ابن أخيه ويليام للدراسة في مدرسة بون (مؤسسة دينية) عام 1839 تعميقًا لدرايته بالكلاسيكيات، وقد درس فيها الأساطير اليونانية والتاريخ القديم وأشعار أوفيد وورغيليوس، كما تلقى فيها أول درس له في الرسم على يد لوي ساج، وهو تلميذ سابق لآنغر. في عام 1841 ترك ويليام عمه لينتقل مع أسرته إلى بوردو حيث شرع والده يؤسس مشروعًا لتجارة النبيذ وزيت الزيتون.[5][7] بدا أن ويليام الشاب سيسير على خطى والده في التجارة، لولا أن لاحظ بعض زبائن المتجر لوحاته وألحوا على والده ليرسله للدراسة في المدرسة المحلية للرسم والتصوير في بوردو، ومع إدراكه أن التجارة لا تحمل لابنه مستقبلًا واعدًا وافق الأب على إرساله إليها.[8] التحق بها عام 1842 ودرس على يد جان بول ألو، وقد أظهر تقدمًا سريعًا رغم حضوره الدروس لمدة لا تتجاوز الساعتين كل يوم، فنال في عام 1844 جائزة المدرسة لأفضل لوحة تاريخية.[7] وجه عمله بعد ذلك لتصميم بطاقات للمعلبات الغذائية لكسب بعض المال.[9] مدرسة الفنون الجميلة وفيلا ميديتشيشد بوغيرو رحاله إلى فيلا ميديشي بعد فوزه بجائزة روما برفقة معلميه جان فيكتور شنيتز وجان ألو، ودرس فيها عن أسياد عصر النهضة، وظهر حينها انجذابه الكبير لأعمال رفائيل،[11][13] كما زار توسكانا، ودرس عن القطع الفنية القديمة في أومبريا، وأعجب بمدينة أسيزي الواقعة بها، ونسخ فيها الصور الجصية التي رسمها جوتو في بازيليك القديس فرنسيس بالكامل، كما أعجب بجداريات بومبي، فقام باستنساخها في منزله عندما عاد لاحقًا إلى فرنسا في عام 1854.[8][11] أمضى بعض الوقت مع أقاربه في بوردو ولا روشيل، وزين فيلا لآل مولون إحدى العائلات الثرية، ومن ثم استقر في باريس.[12] بدايات مسيرته المهنية وزواجه الأولعام 1854 عُرض عمله انتصار الاستشهاد في صالون باريس بعد عام من إتمام العمل، وقد قام أيضًا بتزيين قصرين.[11][12] أشاد نقاده في تلك الفترة بإتقانه لتصميم وتكوين شخصيات سعيدة ومحظوظة كالتي في أعمال رفائيل، وقالوا أنه على الرغم من غزارة ما تعلمه عن العصر القديم، إلا أنه اتخذ في أعماله أسلوبًا يغادر أسلوب الأعمال الأصلية.[14] كتب تيوفيل غوتيه مقالًا يمدح فيه بوغيرو مما وطد سمعته.[12]تزوج من ماري نيلي مونشابلون في عام 1856، والتي سيرزق منها بخمسة أطفال،[15] وكلفته الحكومة الفرنسية في نفس العام بتزيين مقر بلدية تاراسكون، حيث ترك لوحته نابليون الثالث يزور ضحايا الفيضانات في تاراسكون في عام 1856.[11] حصل بوغيرو في العام التالي على ميدالية المركز الأول في الصالون،[16] ورسم صورًا للإمبراطور نابليون الثالث والإمبراطورة أوجيني وزين قصر المصرفي الثري إميل بيرير. بهذه الأعمال أصبح بوغيرو فنانًا معروفًا، وبدأ يتطلع ليصير أستاذًا. في هذا العام أيضًا وُلدت ابنته الأولى والتي أسماها هنرييت. وشهد عام 1859 ولادة أحد أعظم أعماله وهو يوم الموتى، وهو محفوظ الآن في بوردو، كما شهد هذا العام ميلاد ابنه الأول جورج.[12] قام في الوقت ذاته تحت إشراف بيكو بتزيين مصلى القديس لويس في كنيسة سانتا كلوتيلد في باريس بأسلوب صارم لا يشكك في إعجابه بفن النهضة.[11] ولدت ابنته الثانية جان في عيد الميلاد لعام 1861، ولكنها لم تعش سوى بضعة أعوام.[12] تحول أسلوبه واتساع شهرتهحاصر الألمان باريس عام 1870 خلال الحرب الفرنسية البروسية، وعاد بوغيرو وحده من عطلته في إنجلترا حيث كان مع عائلته، وجمع أسلحته وتطوع للدفاع في المتاريس، على الرغم من أن من في عمره كان مُعفًى من الخدمة العسكرية. رُفع الحصار واجتمع بعائلته وقضوا وقتًا في لا روشيل منتظرين نهاية الكومونة. قضى ذلك الوقت في تزيين الكاتدرائية ورسم صورة للمطران توماس.[12] في عام 1872 شارك بالتحكيم والعرض في معرض فيينا العالمي،[12] وقد أظهرت أعماله فيه روحًا أكثر عاطفية وشبابًا وحيوية، كما في عمله الحوريات والساتير عام 1873، كما أنه صور الأطفال في عدة مواضع.[11] سيتم كسر هذا المناخ البهيج في عام 1875، حين توفي ابنه جورج، مما مثل صدمة للأسرة، وقد ظهر هذا الحزن في عملين مهمين عن الموضوعات المقدسة والدينية وهما: بييتا وعذراء التعزية. بدأ في ذات الوقت بالتدريس في أكاديمية جوليان في باريس. رُزق بآخر ذريته موريس في عام 1876 وقُبل كعضو في معهد فرنسا بعد اثنتي عشرة مطالبة محبطة.[12] وبعد ذلك بعام، بدأت معاناة جديدة: توفيت زوجته، وبعد شهرين خسر ابنه موريس. اتسمت هذه الفترة بإنتاج العديد من أكبر وأكثر لوحاته طموحًا كما لو كان ذلك للتعويض عن حزنه على زوجته وابنه. حصل في العام التالي على وسام الشرف الكبير في المعرض العالمي.[16] في نهاية العقد أعلن لعائلته عن رغبته في الزواج مرة أخرى، وهذه المرة من تلميذته السابقة إليزابيث جين غاردنر. اعترضت والدته وابنته، ولكن أصبحا خطيبين في السر عام 1879، ولم يتزوج منها إلا بعد وفاة والدته في عام 1896.[12][21] في عام 1881 زين مصلى العذراء في كنيسة القديس فنسنت دي بول في باريس، وهو أمر من شأنه أن يستغرق ثماني سنوات كاملة، إذ رسم ثمانية لوحات كبيرة الحجم عن حياة المسيح.[11] بعد فترة وجيزة أصبح رئيسًا لجمعية الفنانين الفرنسيين المسؤولة عن إدارة الصالون، وهو المنصب الذي احتفظ به لسنوات عدة.[12] في هذه الأثناء رسم لوحة كبيرة أخرى، وهي شبابية باخوس في عام 1884، وهي إحدى لوحاته المفضلة له، ولذلك أبقاها في مرسمه حتى وفاته. في العام 1888 تم تعيينه أستاذًا في مدرسة الفنون الجميلة في باريس،[11] نال في العام التالي وسام جوقة الشرف من رتبة القائد.[22] في الوقت الذي نمت فيه شهرته في إنجلترا والولايات المتحدة، بدأ يواجه في فرنسا تراجعًا لشعبيته مع منافسته ومهاجمته في طليعة ما قبل الحداثة، وذلك باتهامه بأنه متواضع ومزيف.[11] تلك الانتقادات المتلاحقة أدت إلى سقوط أعماله في غياهب النسيان، حيث ستبقى لعقود متهمةً بكونها عديمة الجدوى ومبتذلةً وفادحة.[23] اختفت لوحاته من السوق وكان من الصعب سماع إشارة ما إلى أنها موجودة حتى في المدارس الفنية، عدا إن استُخدمت مثالًا ينبه به الأستاذ تلاميذه إلى ما يجب ألا يفعلوا.[24] حتى أن ليونيلو فنتوري زعم أن أعماله لا تستحق أن تعد فنًّا حتى.[25] سنواته الأخيرة ووفاتهتوفي ابنه بول بعد أن صار محاميًا وعسكريًّا محترمًا في عام 1900، ليشهد بذلك وفاة أربعة من أبنائه. كان بوغيرو معه في منتون في جنوب فرنسا قبل وفاته، حيث استمر في الرسم على أمل أن يتعافى من السل الذي كان قد أصابه. كان لخسارة بوغيرو ابنه بالغ الأثر عليه، مما أدى إلى تدهور صحته بعد ذلك. في عام 1902 ظهرت العلامات الأولى لإصابته بمرض قلبي، ومع ذلك شعر بالسعادة لرؤية الإشادة بأعماله بإرسالها إلى المعرض العالمي، وحصوله في عام 1903 على شارة الضابط الكبير من وسام جوقة الشرف. دُعي بعد فترة وجيزة لحضور احتفالات مرور مائة عام على فيلا ميديشي في روما، وأمضى بعد ذلك مدة أسبوع في فلورنسا مع زوجته. تلقى في هذا الوقت دعوات متكررة لتكريمه في مدن أوروبية، ولكن سوء حالته الصحية أجبره أن يرفضها، ومنعه من الرسم في نهاية المطاف. أحس بوغيرو النهاية، وانتقل في 31 يوليو 1905 إلى لا روشيل مسقط رأسه، وفارق الحياة فيها في 19 أغسطس عن 79 عامًا.[26] عن حياته المهنيةالسياق المهني في وقتهبزغ نجم بوغيرو عندما كان الفن الأكاديمي في أوج سمعته. ولدت طريقة التدريس تلك في القرن السادس عشر، وأصبحت المهيمنة في منتصف القرن التاسع عشر.[27] كانت تقوم على مفهوم أساسي وهو أن الفن يمكن أن يدرس كليًّا من خلال منهجته في هيئة سارية بين النظرية والتطبيق، والتقليل من أهمية الأصالة. تتمثل قيمة الأكاديميات في منح الأساتذة المشاهير سلطتهم قبل أي شيء، وفي تعظيم تقليد المواضيع الكلاسيكية بشكل خاص واعتماد مفاهيمها، بالإضافة إلى إبراز الطابع الجمالي وتحقيق الخلفية الأخلاقية والغرض التربوي، وإنتاج الفن الذي يهدف إلى تثقيف الجمهور وبالتالي تغيير المجتمع للأفضل حسب نظرة الأكاديمية. لعبت الأكاديميات أيضًا دورًا رئيسيًا في تنظيم الفن إجمالًا، فضلًا عن التدريس الذي احتكر الفكر الثقافي والذوق والنقد والسوق وعمليتي عرض ونشر الإنتاج الفني، وحفز لتشكيل مجموعات التدريس التي أصبحت في النهاية مصدرًا لكثير من المتاحف الفنية. كان هذا التأثير الواسع للأكاديمية يرجع أساسًا إلى اعتمادها على السلطة التي تمنحها إياها الدولة، وقد استخدمت سلطتها للتعريف بالمثل العليا ليس الفنية فحسب، بل أيضًا السياسية والاجتماعية.[28][29][30]كان من بين الممارسات الأكثر شيوعًا للأكاديميات تنظيم الصالات الدورية والفعاليات التنافسية ذات الطابع الفني والتجاري التي تُظهر أعمال المبتدئين والأساتذة وتقديم الجوائز والميداليات للفائزين.[31] كانت جائزة روما التي نالها بوغيرو في عام 1850 أرفع الأوسمة في صالون باريس، إذ كانت هيبتها في ذاك الوقت تعادل تلك التي لجائزة نوبل اليوم.[32] استقبل صالون باريس في عام 1891 ما معدله 50 ألف زائر يوميًا في الأيام التي كان الدخول فيها مجانًا، والتي غالبًا ما كانت أيام الأحد،[33] وما يصل إلى 300 ألف زائر سنويًا،[34] مما جعله مكانًا للأحداث الهامة وعرض المواهب الجديدة ومنطلقًا لدخول السوق الفنية واسمًا يردده جامعو التحف كثيرًا. في ذاك الوقت كان بيع الأعمال الفنية دون استقبالها في الصالات شديد الصعوبة.[31][35] ما تم عرضه في الصالات لم يكن محصورًا هناك، لأن أكثر الأعمال استحسانًا نُظمت لها "صور حية" في دور العرض لجولات عامة في الداخل، حيث نسخها الرسامون واستخدمت في المنتجات الاستهلاكية العامة مثل الصحف وأغلفة المجلات والمطبوعات واسعة التداول، وفي صناديق الشوكولا والتقويمات والبطاقات البريدية ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي كان لها بالغ التأثير في المجتمع. أصبح الفنانون الأكثر شهرة من الشخصيات العامة والمؤثرة،[31][36] ولكن سرعان ما انخفضت شعبيتهم أمام النجوم الحاليين للسينما.[37] السوق وتدعيم أسلوبه
كرس بوغيرو جزءً كبيرًا من طاقاته لتلبية ذوق الجمهور البرجوازي الجديد، وقد كان واضحًا مثاليتهم وتقديرهم للجمال في الفن وإخلاصهم للتقاليد القديمة. قال بوغيرو في إحدى المناسبات:
رغم ذلك، لم يكن هذا النهج نهجه وحده، بل كان جزءً من التقاليد الأكاديمية. يرى مارك ووكر أنه على الرغم من الانتقادات التي يمكن أن تقف ضد مثالية الأكاديميين التي لا تمثل بالضبط الواقع المرئي، فإن المثالية نفسها مع ما تنطوي عليه من الخيال لا يمكن أن تعامَل كما يعامَل عنصر غريب عن الفن. ترى ليندا نوكلن أنه في حين أن معارضيه اتهموه بالجمود وغياب أي اتصال له مع التطور في وقته، فإن النهج الذي اتبعه لم يكن قد عفا عليه الزمن بعد، حيث كانت تلك الأيديولوجية يؤمن بها واحد من التيارات الحيوية الموجودة في ذلك الوقت: "ما إذا كانوا يريدون ذلك أو لا، فإن الفنانين والكتاب سيكون مصيرهم حتما أن يكونوا معاصرين، ولن يقدروا على الهروب من محددات تين المنقسمة إلى السياق (الوسط) والعرق والوقت".[30] مع مراعاة سياقه وتفضيلاته الشخصية، ويمكن تلخيص الوصف الخاص بانتقائه أسلوبه كما يلي:
الطريقة والتقنية
رغم ذلك يمكن أن تكون تقنيته في بعض الأحيان مرنة للغاية، وتتكيف مع كل نوع من الكائنات في اللوحة، وهذا قدم انطباعًا خاصًا بالحيوية والتلقائية للوحاته، ولكن هذا لا يعني شدة الارتجال، والدليل على ذلك التشابه بين رسوماته التمهيدية وأعماله بعد إنجازها.[59] يمكن إعطاء مثال على معالجته الفنية الاستثنائية من خلال تحليل لعمله المهم شبابية باخوس، في كلمات ألبرت بويم:
الأعمال الإغرائيةالإناث العارياتمن بين التغييرات التي أحدثتها البرجوازية في الأكاديمية أن جاء الطلب على الأعمال الإغرائية، وهذا يفسر الوجود الكبير للعراة في أعماله، مما جذب اهتمام العديد من الباحثين المعاصرين. قال ثيودور زلدن أنه على الرغم من عدم إنكاره لتأييد بوغيرو للثقافة الكلاسيكية، إلا أنه حتى أعماله الأسطورية التي لا تتعامل مع الآلهة والإلهات أنفسهم، كان يتخذها مجرد ذرائع لعرض أجساد النساء الجميلات ببشراتهن اللامعة، وهذا على حد قوله يمكن أن يؤكد عادته بأنه كان يكتفي باختيار الأسماء للوحاته بعد الانتهاء منها، في محادثات طويلة مع زوجته كثيرًا ما انتهت بالضحك.[60] من بين مشاهده الأسطورية الأكثر شهرة والتي صور فيها العراة لوحته شبابية باخوس، حيث أسرف في الشخصيات العارية وشبه العارية التي تبتهج وتمرح حول باخوس إله الخمر والنشوة في الميثولوجيا الإغريقية،[61] وفي عمله الحوريات والساتير يوجد أربعة حوريات عاريات في هيئات نحتية تغري المخلوق الأسطوري المعروف بعشقه للنساء.[62]كيوبيد والفلاحاترغم أن بوغيرو أنتج العديد من الأعمال التي تصور كيوبيد، إلا أنها ليست بكثرة أعماله الإغرائية الأنثوية.[69] ظهرت الراشدات والشابات اللائي شكلن الجزء الأكبر من النساء في أعماله ليس فقط في الموضوعات الأسطورية، المتحدَّث عنها سابقًا، أو في تصويره للأمثولات والعراة، - مع العلم بأن نمو سمعته اعتمد بشكل كبير على مجموعة لوحاته الكبيرة للسباحات والحوريات[48] - بل أيضًا في وصفه للأنشطة اليومية للريفيات. كانت الريفيات سببًا لجذبه شعبية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر، فقد مثَّلن المثالية الرومانسية في البراءة والنقاء، وكذلك مثلن الصحة والنشاط، وذلك على الرغم من الواقع القاسي للغاية اللائي كُن يعشن فيه في ذلك الوقت، والذي لم يظهره بوغيرو في أعماله وكذلك غيره من الذين اتبعوا نفس الجمالية، إذ أظهروهن نظيفات وسعيدات ومرتاحات البال وبثياب حسنة، وقد رأتهن المخيلة الشعبية لسكان الحضر على مقربة خاصة من طبيعة والأرض، وبالتالي كان من المفترض أنهم كانوا أشد المتحمسين والمحبين لهذه الموضوعات.[50] كما حللت كارين ساير:
حيَّد بوغيرو القوة الجنسية للصبية في حالة تعامله مع الأساطير، وأظهرهم ككيوبيد وبالتالي جعلهم في نطاق لادنيوي. إنه أيضًا يستعرض تفضيله للنموذج الروماني لإله الحب، وهو نظريًا أقل في الطابع الجنسي من النموذج الإغريقي إيروس، والذي عادة ما يكون ذكرًا بالغًا فحلًا.[70] إن معالجة هذه الأعمال وحساسيتها وعاطفيتها تتعاون أيضًا لزيادة البعد عن الواقع. رسم الفنان كيوبيد عدة مرات، وذكر أن هذا غرضه الوفاء بحاجات السوق: "حيث أن المواد المتواضعة والدرامية والبطولية لا تُباع، ولمدى تفضيل الجمهور فينوس وكيوبيد، فأنا أرسمهما إرضاء للجمهور، وأنا أساسًا من المحبين لفينوس وكيوبيد".[69] في استكشاف أليس ماهون للوحته شابة تدافع عن نفسها ضد كيوبيد ذكرت حدوث هذا التحييد، والذي تجلى هنا في بنية اللوحة، حيث لاحظت أن الشابة تبتسم لإله الحب، لكنها تحاول إبعاده بذراعيها في ذات الوقت، كما لاحظت من الأجواء حولهما تلك البيئة الريفية الشاعرية تتجلى مجددًا، في حين قدم تفاصيل جذابة مثل جسم الشابة الجميل شبه العاري والأرداف وردية المكشوفة لإله الحب الصغير.[70] من ناحية أخرى، وبالنسبة للجمهور الأكثر تحفظًا، كانت اللوحات الجنسية سببًا للفضيحة في مرات عدة. حققت لوحة الحوريات والساتير الشعبية الأكبر في الولايات المتحدة في وقتها، وراجت نسخها في أنحاء البلد،[62][71] ورغم ذلك، وبسبب ما وُصف بالعصبية الأخلاقية[72] تعرضت لوحته غزو مملكة كيوبيد لهجوم لاذع من قبل أحد النقاد قال أنها مناسبة لبيت دعارة،[73] كما أثار إرسالها إلى شيكاغو عاصفة في الصحف المحلية، والتي وصفت بوغيرو بأنه "واحد من هؤلاء الشواذ ذوي المواهب يطمحون إلى إفساد أخلاق العالم بها"،[74] وازداد الوضع سوءً عند عرض لوحته عودة الربيع في أوماها في عام 1890، إذ انتهى الأمر بمحاولة تخريبها من قبل "متحمس ديني" حمل كرسيًا ورماه على اللوحة، وصرح بأسباب فعلته والتي كان منها أنه لم يرغب لامرأة مثل أمه أو أخته أن ترى عملًا فنيًّا بمثل هذه الجنسانية الصارخة.[75] مع ذلك، يدعي جوزيف ماكيلراث وجيسي كريسلر أنه حتى في أعماله الإغرائية الصريحة، لم يسبق له أن نزل إلى ما يخرج عن "الذوق الرفيع"، أو إلى الأعمال الدنيئة والكئيبة والمنفرة كما فعل معاصروه مثل تولوز لوترك وديغا وكوربيه.[76] وقد أكد كتاب آخرون أمثال كلوديا ميتشل وجاكلين ريد وولش وجون بروير وتوبين سيبرس وجود التعقيد والنقاط الغامضة والتوترات في أعمال بوغيرو الإغرائية.[77][78][79] يحمل هذا الجانب من أعماله العديد من المعاني، ويقدم شهادة بصرية رائعة لأيديولوجيات ذاك العصر والتغييرات التي تجري في ذلك المجتمع.[50] الأعمال الدينية والتاريخيةرغم ذلك، نجده طوال حياته ينتج بعض الأعمال الدينية أحيانًا، بما في ذلك طلبات وتكليفات هامة من الكنيسة، كتزيينه في عام 1881 لكنيسة القديس فنسنت دي بول في باريس.[11] عند رسمه لمجموعات الملائكة، كان كثيرًا ما يستلهم الشخصيات من من نفس النموذج، ذلك النموذج الأثيري والجميل، ففي عمله ملكة الملائكة (1900) نجد الملائكة الواحد والعشرين متطابقين، والأمر كان نفسه في لوحته أغنية الملائكة (1881)، كما أنه أخذ أشكال الملائكة في لوحته بييتا (1876) الذين كانوا ثمانية من نموذجَين مختلفَين فقط. تعتقد كارا روس أنه أراد بذلك أن يصور بيانًا عن طبيعة الإلهية، حيث أكد أن الوجود الإلهي يمكن أن يُشعر به في كثرة الأرواح، ولكنه يظل قوةً واحدةً في جوهره.[80] استطاع أيضًا التعبير عن المشاعر الدينية المشفقة، كما في عمله الرحمة! (1897)، التي صور فيها المسيح المصلوب مع منظر صحراوي مقفر، مخالفًا ما سردته كثير من التصورات عن أن المسيح صلب على قمة جبل، وكذلك في بييتا، التي رُسمت بعد وقت قصير من وفاة ابنه جورج، والتي يظهر فيها المسيح ميتًا تضمه أمه إلى صدرها، وتحفهما ثمانية ملائكة يبكون لهما.[80] من ناحية أخرى، فوجئ جاي فيشر بوجود إشارات بينة للإثارة الجنسية حتي في أعماله الدينية، وأعطى لوحته جلد المسيح مثالًا على ذلك، وقال أن عرض العمل للجمهور تسبب في مصادرته، وأن النقاد رأوا أن جسد المسيح يبدو أنثويًّا إلى حد ما، كما استنكروا استسلامه الواهن للتعذيب.[87] أعطى في أعماله التاريخية، عن مفهوم الزمن، تصورات بلاغية ذات غرض تعليمي واضح، مستمدًّا موضوعاته من الأدب والفولكلور وعلم الآثار، أو مقدمًا مشاهد عن أخر الأحداث التي تستحق أن يوليها الفن اهتمامًا. كانت تلك اللوحات عادة كبيرة الحجم، كما شدد على القيم الإيجابية بمقاربة مثيرة بغرض التأثير في الجماهير وتشويقهم. رغم أن مثل هذه الأعمال غالبًا ما تكون استدعاءات للوجدان، كان يوجد في حالات أخرى اهتمام شديد بإعادة خلق الماضي بدقة تاريخية أو نقل رسالة أخلاقية صالحة للتعليم والارتقاء بالمجتمع.[32][88] نرى مثالًا نموذجيًّا لهذه المقاربة في عمله الذي أناله جائزة روما في عام 1850 زنوبيا المعثور عليها من الرعاة على ضفاف أراكس، حيث الدعوة إلى القيم الأخلاقية والورع حين تروي قصة الملكة الحامل التي طعنها زوجها وتخلى عنها، ولكن القدر يكتب لها النجاة حين ينقذها رعاة رحماء ويشرفون على علاجها،[32] وكذلك في عمله الذي رسمه بتكليف من الدولة في عام 1856 نابليون الثالث يزور ضحايا الفيضانات في تاراسكون، الذي تضمن استثارة للطابع الوطني والاجتماعي.[11] صورت لوحاته التاريخية الأمثولات أيضًا، مثل لوحته الوطن الأم، وهي أمثولة مرتبطة بالتربية الوطنية، فتظهر امرأة بوضعية مهيبة متوجةً بالغار جالسةً على عرش، ومحاطةً بأطفال يمثلون المواطنين ويتزاحمون إليها كي تُأويهم. نجد في أسفل اللوحة رموزًا لثروات الأرض كفرع العنب وسنابل القمح. من أعماله المشابهة لهذا العمل لوحته الإحسان، فهي تُظهر أيضًا الشخصية الأمومية والحامية.[89] كما الأعمال الدينية، بدأت الموضوعات التاريخية في عقد 1860 تسقط من نظر الجمهور الذي فضل القضايا الأكثر واقعيةً.[90][91] أشار بيلي فان هوك إلى أنه بالرغم من التباين بين تلك الموضوعات، إلا أن المعالجة الرسمية التي اعتمدها بوغيرو كانت في حالات كثيرة متشابهةً تمامًا لجميع الأنواع، حيث وضع معيارًا مشتركًا لخلق الشخصيات واعتماد أساليب تأليف المشاهد.[69] يبدو أن لورا لومباردي توافق جزئيًا على هذه الفكرة، لكنها أكدت أن الأساس في أعماله التاريخية هو التداخل المتناسب بين المراجع الكلاسيكية وتداعيات عصره، وضربت مثلًا على ذلك لوحته هوميروس ومرشده، والتي إلى جانب تسليطها الضوء على موضوع يوناني القديم، قدمت دراسة حيوية للعيش.[92] البورتريهاتالتدريستخرج على يد بوغيرو العديد من الطلاب خلال مسيرته في التدريس، وقد اعتمد في تدريسه نفس الأسلوب الذي اعتمده أساتذته، ذلك الأسلوب الذي تطلب الانضباط الصارم، والدراسة المستفيضة للأساتذة القدماء وللطبيعة، والإتقان التام للتقنيات والمواد.[97] لا مجال للارتجال في الأسلوب الأكاديمي. قال ذات مرة لطلابه: "قبل مباشرة العمل، غص في موضوع عملك، فإن استعصى على فهمك شيء فادرس أكثر عنه أو وجه عملك لموضوع أخر. تذكر أن كل تفصيل مهما كان حجمه يجب أن يُخطط له مسبقا".[87] هذا لا يعني أنه كان متعصبًا في تدريسه. رغم تكثيفه لتدريب طلابه وتعويده لهم على التفاني الشديد في عملهم، يرى زلدن أنه "لم يسع فقط إلى غرس عقائده في تلاميذه، بل بادر في تشجيعهم إلى اتباع ميولهم الطبيعية وإيجاد الأصالة بمفردهم من خلال البحوث الفردية وتنمية مواهبهم الخاصة. أعتقد أنه لم يكن هناك أي جدوى في محاولة إخراج رسامين يضاهون رسامي عصر النهضة.... هو نفسه لم يبد أي اهتمام بالفلسفة أو السياسة أو الأدب، لم يعط أهمية للنظريات المتعلقة بالتصوير ولم يحبذ التحليلات المطولة المتعلقة به".[60] كتب الفنان بنفسه:
نصيبهشهرته وتشويه سمعتهلم يكن بوغيرو في البداية ذا أهمية. كتب في ملاحظة عام 1848 عندما كان عمره 23 عامًا عن توقه إلى أن يتمكن من القيام بأعمال "جديرة برجل ناضج". لكن مع الوقت أصبح أكثر ثقة بنفسه: "اليوم أنا أكثر ثقةً، وقلبي مفتوح على الأمل، ولدي ثقة في نفسي. لا، ليست الدراسات المضنية التي أقوم بها غير مجدية، والطريق الذي أتبعه طريق جيد، وبعون الله سوف أحقق المجد، المجد العادل والنقي".[42] عمل دون كلل، وكان على درجة عالية من الانضباط والمنهجية، وأصبح غنيًّا ومشهورًا، وترك أعمالًا جمة، حتى بلغ عدد لوحاته 828 لوحة مسجلة.[33][109]رغم ذلك، عندما بدأت الحداثة صعودها في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ نجم بوغيرو يخفت.[11] رأى ديغا ورفاقه بوغيرو رسامًا مزيفًا في الأساس، واستخدموا المصطلح "Bouguereauté" (المرتبط ببوغيرو) في ازدراء الأساليب المماثلة لأسلوبه، رغم أنهم اعترفوا بأنه ينبغي أن نتذكر في المستقبل أنه واحد من أعظم الرسامين الفرنسيين في القرن التاسع عشر.[112] رأوه تقليديًا قديمًا قليل الأصالة متواضع الموهبة، تلك الموهبة التي قوض تعصب الأكاديميات فيها وغيرها من مواهب طلابها الإبداع وحرية التعبير حسب رأيهم. اتسم فنه باهتمامه بأدق التفاصيل وأسلوبه السردي ولفتاته العاطفية وتعلقه بالتراث، ولذلك رآه الحداثيون رمزًا للبرجوازية المنحلة التي تسببت بقيام الحرب العالمية الأولى.[11] لذلك سقطت أعماله في غياهب النسيان لعقود، واعتُبرت أعمالًا عقيمةً وفادحةً وسوقيةً.[113] اختفت لوحاته من السوق وكان من الصعب أن يسمع المرء إشارةً إليها حتى في المدارس الفنية، باستثناء استخدامها كمثال لشرح "ما لا يجب فعله" للطلاب.[24] حتى أن ليونيلو فنتوري ادعى أن أعماله لا تستحق أن تسمى "فنًا".[114] لكن من المثير للاهتمام أنه على مدى السنوات ظهر بعض الفنانين الطليعيين الذين أظهروا آراءً إيجابيةً عنه. أراد فان جوخ رسم صورة صحيحة له،[115] وكذا سلفادور دالي الذي دعاه "العبقري" وفيليب جستن الذي قال أنه "حقا يعرف كيف يرسم"،[56] كما امتلك آندي وارهول واحدةً من أعماله.[116] رد الاعتباربدأ رد اعتباره عام 1974 عندما شاركت أعماله في معرض أقامه متحف لوكسمبورغ، مما أثار ضجةً كبيرةً.[117] أقام المركز الثقافي بنيويورك في العام التالي معرضًا استعاديًّا. وصف جون آشبيري في مقال نشر بمجلة نيويورك أعمال بوغيرو بالتافهة.[56] بعد عشر سنوات، شاركت أعماله في معرض استعادي متجول كبير ذهب إلى القصر الصغير بباريس ومتحف مونتريال للفنون الجميلة ووادزورث أثينيوم في هارتفورد.[118] رغم أن القيِّم على القصر الصغير قال أن الوقت قد حان لمراجعة أعمال بوغيرو وترك بعض الخرافات الحداثية، إلا أن الكاتبة في نيويورك تايمز فيفين راينور شككت في هذا المعرض، قائلة أنه ما زال رسامًا عاديًا ومملًا.[119] وبالمثل عند افتتاح متحف أورسيه عام 1986، ظهرت أعمال بوغيرو ورسامين أكاديميين أخرين من جديد، بعدما كانت في طي النسيان لعقود، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في الساحة الفنية.[120][121]هناك انتقادات عدة تشير إلى أن ما بذل من جهود لرد اعتبار مثل هذه الأعمال كان شاقًا ومحفوفًا بالجدل، بل من المثير ظهور انتقادات حديثة تدل على أن هذا الجدل لم يزل قائمًا. من هذه الانتقادات ما قاله جون كانادي: "العجيب في لوحات بوغيرو أنها متسقة تمامًا. ليس فيها من عنصر واحد غير منسجم مع البقية، ولا من عيب في كمال الاتحاد بين التصور والتنفيذ. الخلل في كمال أعماله هو أن التصور والتنفيذ كليهما زائف تمامًا، لكنه يظل كمالًا من نوع ما، حتى إن كان هذا النوع شاذًّا".[122] قال أحد القيمين على معرض للفنانين الفرنسيين أقيم في تسعينيات القرن العشرين بمتحف دنفر للفنون:
كما قيم الناقد الشهير إرنست غومبريتش تقييمات متناقضة، فتارةً يصف لوحته ميلاد فينوس بجرعة سكر زائدة قائلًا أنه "يرفض ما هو جيد بإفراط"،[126] وتارةً يعترف بأن أساليبه التمثيلية في لوحاته تعد سلفًا للحداثة، وأضاف: "لماذا نقذف روائع بوغيرو ومدرسته كونها بارعةً بل وربما ثوريةً؟ أظن أن ادعاءنا أن هذه الأعمال غير صادقة، كقولنا عن لوحته الأخت الكبرى، ليس سوى هراء. لقد ربطنا أنفسنا بالأحكام الأخلاقية المستحيل تطبيقها. الأطفال الجميلون موجودون في العالم على كل حال، وحتى إن لم يكونوا موجودين فإن الاتهام لا يوجه إلى اللوحة".[127] افترض غومبريتش افتراضًا ساخرًا أن الانتعاش الحديث للأكاديميين كبوغيرو قد يرجع إلى تأسيس طبقات القرن العشرين على مبادئ الحداثة والتيارات الطليعية المتعددة، ولذلك يبدو الفن الأكاديمي للأجيال الجديدة غريبًا كمؤسسة، وبالتالي يصبح جذابًا.[128] من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل السياق التاريخي وتأثيره الواسع في وقته، مما يجعل له مكانه في تاريخ الفن. يعتقد روبرت هنري بنسبية التقييمات، قائلًا كمثال على هذا: "إن حكم أحدهم على مانيه من وجهة نظر بوغيرو، سيقول أنه لا ينهي لوحاته، وإن حكم على بوغيرو من وجهة نظر مانيه، سيقول أنه حتى لا يبدأ فيها".[129] تبع روبرت سولمن نفس الاتجاه، قائلًا أن الأحكام والآراء عن الجمال متناقضة، واعتقد أيضًا أن ما يوجه عادة إلى بوغيرو من تعصبه لرأيه ورضاه التام عن ذاته يمكن أن يوجه، مثلًا، إلى ما قبل الحداثيين كديغا أو حتى إلى النقاد المعاصرين الذين يرفضون وجهات النظر المخالفة لوجهتهم. علاوة على ذلك، تساءل سولمن عما إذا كان من العدل أن ننظر إلى مشاعر مثل الرقة والبراءة والحب، التي كثيرا ما وجدت في أعمال الرسام، على أنها لا تستحق المعالجة الفنية، فقط لأن بعض الانتقادات المعاصرة تراها كاذبة أو قديمة أو تافهة، بطريقة أيديولوجية إقصائية.[130] واستمر الرأي الذي يتهم الحداثة بالإقصائية، حيث آمن خورخي كولي بنفس الفكرة، مستشهدًا صراحةً بحالة بوغيرو، لكنه اعترف بأن "التقاليد" التي وضعتها الحداثة أصبحت مهيمنة طوال القرن العشرين وحتى اليوم، بحيث يصعب على كل من النقاد والجمهور زعزعتها.[131] وافق ترود ودينيس على ذلك، مشيرين إلى أن الثقافة الأكاديمية قد ظُلمت، وبحثا عن أصالة بوغيرو في الاستخدام المبتكر للمراجع الرسمية التي حددتها التقاليد.[132] تحدث ثيودور زلدن عن إخلاص بوغيرو لمبادئه الذي كان في نظره يضاهي إخلاص منافسيه الحداثيين لمبادئهم،[60] كما اعتقد بيتر غاي أن سبب الخلافات الأولى بين بوغيرو والانطباعيين هو الحسد الذي سببه نجاحه الضخم لهم.[133] قال الناقد روبرت روزنبلوم في لوحاته عن الغجر أن بوغيرو قد صنع فعلا فنا مقدسا، وأنها لوحات تجري في عروقها دماء رافائيل وبوسان.[116] في عام 2010 صدر كتالوج ريسونيه يتناول أعمال بوغيرو، كما تضمن سيرته في 600 صفحة، وقد تشارك في وضعه فريد روس وداميان بارتولي، واستغرق وضعه أكثر من ثلاثين عامًا من الدراسة المكثفة.[134] رغم ذلك، يرى البعض أن مركز تجديد الفن ينحاز لبوغيرو إلى درجة التقديس، مما يؤثر على مصداقية المؤسسة،[24] كما قال سكوت آلان أمين متحف غيتي المساعد عن الكتالوج المذكور آنفًا أنه رغم قيمته الوثائقية الكبيرة فإنه يعاني من نفس المشكلة.[135] على الرغم من كل هذا الجدل، لم يزل مجال انتشار بوغيرو الحديث واسعًا. ذُكر بوغيرو في قاموس غروف للفن الذي نشرته جامعة أكسفورد بوصفه أحد كبار فناني القرن التاسع عشر،[11] وبعد سنوات عديدة كانت فيها أعماله مخبأة في طي النسيان، عادت من جديد إلى جدران بعض أهم متاحف العالم، مثل متحف متروبوليتان في نيويورك، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومعهد الفن في شيكاغو،[118] ومتحف أورسيه.[136] حظي بوغيرو في أمريكا بتقدير خاص،[137] فصارت أعماله جزءً من المجموعات الفنية لأكثر من 70 متحفًا أمريكيًّا[118] وأصبحت صور لوحاته الأكثر استخدامًا لتصميم بطاقات عيد الحب.[138] تؤخذ صور للوحاته بكثافة في الورشات التجارية في جميع أنحاء العالم يقع كثير منها في الشرق الأقصى لتباع عبر الإنترنت،[139][140][141][142] وقد صارت أعماله موضوع العديد من الدراسات المتخصصة وعادت أسعار لوحاته الأصلية في الأسواق لترتفع من جديد.[23] في عام 2000 بيعت لوحته الإحسان التي رسمها عام 1878 مقابل 3.52 دولار في أحد مزادات كريستيز، لتكون بذلك أعلى لوحات بوغيرو المباعة في المزادات سعرًا.[143] يمكن اختتام هذا العرض النقدي بمقتطف من مقال للورييه لاكروا، الذي كتبه لمجلة Vie des Arts الفرنسية بمناسبة المعرض الاستعادي المتجول الذي بدأ عام 1984 في بدايات رد اعتبار بوغيرو، تناول فيه طبيعة المأزق الذي يبدو أنه لا يزال قائمًا:
التكريماتتسلم بوغيرو العديد من الجوائز والأوسمة على الصعيدين المحلي والعالمي، وهي بالترتيب الزمني:[42]
اسمهتتناقض الآراء حول اسمه الكامل: تفيد بعض المصادر أن اسمه الكامل هو ويليام-أدولف بوغيرو (اسمه الأول مركب)، ويليام أدولف بوغيرو (بكتابة اسمه وفقًا للطريقة المعتادة والمدنية المنفردة، وفقا للتقليد الفرنسي)، في حين أن مصادر أخرى تفيد أن اسمه أدولف ويليام بوغيرو (أي أن أدولف هو اسمه الأول)، وبأي حال فإن الاسم الذي نودي به هو ويليام. ومع ذلك، كان يستخدم الاسم "ويليام بوغيرو" في توقيع أعماله، أو بتعبير أدق "التاريخ.W.Bouguereau" (الأبجدية الفرنسية) وفيما بعد "التاريخ-W-BOVGVEREAV "(الأبجدية اللاتينية).[1 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق